بعد وفاتها.. لماذا أثارت نوال السعداوي الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي؟
ومن هنا نجد أن وفاة الكاتبة تتناسب بشكل كبير، بل وتتطابق مع حياتها العملية وآراءها الفكرية، بعدما انقسمت الجماهير بشكل حاد تجاه وفاة الكاتبة المثيرة للجدل.
لنوال السعداوي أفكار كثيرة اعتبرها البعض خارج المألوف، نظرًا لجرأتها وتمردها عن السائد واتجاهها لإخضاع القضايا المختلفة لمناهج علمية حديثة مختلفة عن النظرة الدينية التقليدية.
لعل أبرز هذه القضايا ما قالته عن المثلية الجنسية، وهو ما جعل البعض يعتقد أنها لا ترى المثلية شيء محرم، لأنها قالت: "الجنس عادة وتعود والمثلية لها أسبابها جزء منها وراثي بجانب التربية والخوف، والأمر يتطلب تحليله وإرجاعه لأسبابه الاجتماعية والبيولوجية وليس وضعهم في السجون، لأن هذا ليس الحل، ولازم يكون فيه حرية، فالمجتمع والدين لا دخل لهما في الجنس"، مستطردة: "لم نتربى على حرية الجنس، والعلاقات الجنسية شخصية".
"هل كان يجب عليك الموت لتنيري هذه العقول المظلمة؟
هل كان يجب عليك دفع هذا الثمن بحياتك؟ يجب على الأطباء ورجال الدين أن يعلموا أن الدين الصحيح لا يأمر بقطع الأعضاء التناسلية.
كطبيبة وناشطة في مجال حقوق الإنسان أرفض تمامًا هذه العملية كما أرفض ختان الذكور.
وأؤمن أن الأطفال جميعًا ذكورًا وإناث يجب حمياتهم من هذا النوع من العمليات"..
بهذه الكلمات خاضت السعداوي معركة شرسة ضد ختان الإناث بدأتها أول حياتها إلى أتت ثمارها بعدما تبنت الدولة هذا الاتجاه.
كما ترى نوال أن الحجاب والنقاب من صور العبودية وضد الأخلاق، وأن الحجاب لا يعبر عن الأخلاق،
وتساءلت لماذا تتحجب المرأة ولا يتحجب الرجل؟ بالرغم من وجود شهوة لكل منهما؟.
وفي أحد حوارتها أعلنت أنها ترفض فكرة تعدد الزوجات قائلة:
"تعدد الزوجات يخلق الكره بين الأطفال والزوجات كما يزيد من الحوادث".
ونتيجة لآرائها ومؤلفاتها تم رفع العديد من القضايا ضدها من قبل الإسلاميين مثل قضية الحسبة للتفريق بينها وبين زوجها، وتم توجيه تهمة "ازدراء الأديان" لها، كما وضع اسمها على ما وصفت بـ"قائمة الموت للجماعات الإسلامية" وتم تهديدها بالقتل، وفي عام 1988 سافرت خارج مصر، قبلت عرض التدريس في جامعة ديوك وقسم اللغات الإفريقية في شمال كارولينا وأيضًا جامعة واشنطن.
واشتهرت الراحلة بإثارتها الجدل ففي عام 1981 ساهمت نوال في تأسيس مجلة نسوية تسمى المواجهة، وحكم عليها بالسجن 6 سبتمبر 1981 في عهد الرئيس محمد أنور السادات، أطلق سراحها في نفس العام بعد شهر واحد من اغتيال الرئيس.
كما سجنت نوال في سجن النساء بالقناطر، وعند خروجها كتبت كتابها الشهير "مذكرات في سجن النساء" عام 1983، ولم تكن تلك هي التجربة الوحيدة لها مع السجن، فقبل ذلك بتسع أعوام كانت متصلة مع سجينة واتخذتها كملهمة لروايتها "امرأة عند نقطة الصفر" عام 1975، كما رفضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر في 12 مايو 2008، إسقاط الجنسية المصرية عن المفكرة المصرية نوال السعداوي، في دعوى رفعها ضدها أحد المحامين بسبب آرائها.
من ناحية أخرى، كان للدين والطب النفسي، رأيهما في حالة الشماتة التي تواصلت على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ إعلان خبر وفاة الكاتبة نوال السعداوي.
ويقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الشماتة في وفاة شخص أيا كانت آراؤه أمر لا يجوز شرعًا.
وأضاف كريمة في تصريحات لمصراوي، الأحد، تعليقا على الشماتة في وفاة الكاتبة نوال السعداوي أن هذا خطأ، ومن أدب الإسلام أن الموتى "أفضوا إلى ما أفضوا"، متابعا:"هي ذهبت إلى خالقها، إن شاء عفا عنها بفضله، وإن شاء عاقبها بعدله".
وتابع أستاذ الفقه المقارن:"في مثل هذه الحالات لا نقول إلا ما أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم "اذكروا محاسن موتاكم"، مضيفا"لا علاقة للأمر هنا بآرائها".
وقال كريمة: "أخلاقيات الإسلام تحض على عدم تناول ميتا أو أسيرا بالسوء، لأن كليهما لا يملك الدفاع عن نفسه"، متابعا:" اختلفت مع الكاتبة نوال السعداوي كثيرًا، ولكن الآن لا نقول فيها إلا خيرا".
في الوقت نفسه، قالت دار الإفتاء المصرية، إن الكلام في مصائر البشر بعد انتقالهم من هذه الدنيا من سوء الأدب مع الله، وفتح باب التشفي في موت بعض الناس ليس من محاسن الأخلاق، ومما ورد عن العلماء والصالحين أن الموت يقطع الخصومة؛ لأن الدنيا ليست محلا لمحاسبة الأموات.
واستشهدت الإفتاء، بقوله تعالى في سورة مريم {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)}، والمعني: لا ناصر له ولا مجير إلا الله وحده لا شريك له، فيحكم في خلقه بما يشاء ، وهو العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة، ولا يظلم أحدا.
وأشارت إلى أنه عندما كانوا يُسألون عن شأن فتنة أو خصومة بين من غادروا الدنيا يقولون: تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا فلننزه عنها ألسنتنا!، مضيفة: "تذكروا أيها الأفاضل: عند الله تجتمع الخصوم ولا تحكموا على مصائر العباد".
من جانبه أرجع الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، ظاهرة الشماتة في وفاة السعداوي إلى انعدام الثقافة لدى قطاع عريض ممن يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي قائلا: ضعف الثقافة تعني ازدواجية دينية وقلة وعي اجتماعي وقلة وعي قيمي.
وأضاف: "الشماتة في موت أي شخص مهما اختلفنا معه مذهبيا أو قيميا أو ثقافيا أو أيديولوجيا أو كرويا أمر لا يجوز وهو يعكس أن الشامت لا يعرف شيئا عن الدين إذا كان يتحدث باسم الدين، وبعد موت الإنسان فقد ذهب إلى خالقه ليحاسبه وليس لأحد منا أن يتدخل بين العبد وربه، وكل إنسان له مطلق الحرية في أفكاره طالما لا يؤذي أحدا، وبالتالي لا يمكن لأي شخص أن يصبح رقيبًا أو وصيًا على أحد".