![]() |
لماذا لم يرفع النبي ﷺ الأذان؟ |
قدَّم لنا سيرة نبوية مشرِّفة تتضمن أعماله وتعاليمه. ومن الملفت للنظر أنه لم يرفع الأذان طوال حياته، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات كثيرة. لماذا ترك رفع الأذان؟ وما الفائدة وراء هذا القرار؟ في هذا المقال سنستعرض إجابات هذه الأسئلة بأسلوب بسيط وواضح.
الأذان ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بدايةً، يُشدد على أنه لم يرد أو يثبت عن رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه رفع الأذان في أي فترة من حياته. تعددت الآراء والأسباب التي تحدثت عن حكمة هذا القرار. فما هي تلك الأسباب؟
غياب الدليل والإشارة النبوية
أشار علماء الفقه إلى أنه لا يوجد دليل قاطع يثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام برفع الأذان. وقد ذكروا ذلك في سياق مناقشة موضوع تفضيل الأذان أو الإمامة، وذلك بناءً على تحديد الأولوية بينهما. يمكن الاطلاع على "المجموع" للإمام النووي (3/78) لفهم وجهات النظر المختلفة حول هذا الموضوع.
الحكمة وراء ترك الأذان
تنوَّعت الآراء حول سبب ترك رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم رفع الأذان. منها:
1. الاهتمام بالإمامة
قد يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك الأذان ليضع الاهتمام على الإمامة، أي القيام بقيادة الصلاة، حيث يكون هذا أمرًا لازمًا ولا يمكن تجاوزه. لو قام برفع الأذان وجرى التأخير في الاستجابة للصلاة، فقد يكون ذلك مخالفة لأمر الله.
2. تجنب الالتباس
من الممكن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تجنب رفع الأذان لكي لا يخلط الناس بين دوره كنبي ودوره كداعي إلى الله. رفع الأذان قد يؤدي إلى تشتيت انتباه الناس من دوره الرئيسي.
3. الانشغال بالدعوة والتعليم
قد يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشغولًا بمهمته العظيمة في نشر الدين وتعليم الناس. ترك رفع الأذان قد يكون لتخصيص وقت أكبر للدعوة وتبليغ الرسالة.
واجابة دار الأفتاء المصرية على هذا السؤال سابقاً :
لم يرد ولم يثبت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه أذن للصلاة في مدة حياته الشريفة المنيفة صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أشار إلى ذلك الفقهاء في معرض ذكر أدلة القائلين بالمفاضلة بين الأذان والإمامة أيهما أفضل من الآخر؛ فيقول الإمام النووي في "المجموع" (3/ 78): [وَاحْتَجَّ لِمَنْ رَجَّحَ الإِمَامَةَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ثُمَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ أَمُّوا وَلَمْ يُؤَذِّنُوا، وَكَذَا كِبَارُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ... وَأَجَابَ هَؤُلاءِ عَنْ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى الإِمَامَةِ، وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَالأَئِمَّةِ وَلَمْ يُؤَذِّنُوا بِأَنَّهُمْ كَانُوا مَشْغُولِينَ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لا يَقُومُ غَيْرُهُمْ فِيهَا مَقَامَهُمْ، فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا لِلأَذَانِ وَمُرَاعَاةِ أَوْقَاتِهِ، وَأَمَّا الإِمَامَةُ فَلا بُدَّ لَهُمْ مِنْ صَلاةٍ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: "لَوْ كُنْتُ أُطِيقُ الأَذَانَ مَعَ الْخِلافَةِ لأَذَّنْتُ"] اهـ.
وقد أشار الفقهاء إلى حِكم كثيرة في تركه صلى الله عليه وآله وسلم للأذان، منها:
- أنه لو أذن لكان من تخلف عن الإجابة داخلًا تحت قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾، وفي ذلك يقول العلامة الحطاب في "مواهب الجليل" (1/ 422): [وَإِنَّمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأَنَّهُ لَوْ قَالَ: «حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ» وَلَمْ يُعَجِّلُوا لَحِقَتْهُمْ الْعُقُوبَةُ؛ لقوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ [الفرقان: 63]] اهـ.
- لأنه كان داعيًا فلم يجز أن يشهد لنفسه.
- أنه لو أذن وقال: أشهد أن محمدًا رسول الله لتُوهِّم أن هناك نبيًّا غيره.
- قيل: لأن الأذان رآه غيره في المنام، فوكَّله إلى غيره.
- انشغاله صلى الله عليه وآله وسلم وضيق وقته، وفي ذلك يقول الإمام البهوتي الحنبلي رحمه الله تعالى في "كشاف القناع" (1 / 231): [وَإِنَّمَا لَمْ يَتَوَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ الأَذَانَ؛ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ عَنْهُ] اهـ.
استفادة من القرار
مهما كانت الأسباب وراء عدم رفع الأذان، يمكن أن نستفيد من هذا القرار في تعزيز فهمنا للإسلام وتطبيقنا لتعاليمه. يمكن أن نتعلم من رسولنا كيفية التفكير في القرارات المعقدة والتحلي بالحكمة.
الختام
ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع الأذان لم يكن بدلالة على تجاوز أهمية الأذان في الإسلام، بل قد يكون لأسباب عديدة منها التركيز على الإمامة والدعوة. يجب أن نستفيد من هذه القصة في تعزيز فهمنا للإسلام وتطبيق
